سعيد هلال الشريفي
صحيفة بلدنا السورية
03/11/2008
هل يعقل أن يبلغ استخفاف الغرب بعقولنا إلى مستوى التَّطْوافِ على عواصم الثروة العربية، بهدف استنجاد الهمم، واستجداء دوافع الكرم العربي، في مدِّ يدِ العون لإنقاذ أسواقهم المالية "القذرة" من الانهيار المزعوم, وتوظيفها في الحملة الانتخابية المتعثرة لمرشحهم الجمهوري، لانتخابات الرئاسة الأمريكية, وكأن الخسائر الفادحة التي مُنِيَت بها أسواق المال العربية لاتكفي لزعزعة استقرار تلك الاقتصادات الرَّيْعِيّة الهَشَّة.
يؤكد العديد من الخبراء الاقتصاديين أنَّ الخسائر المالية، التي وقعت الحكومات العربية ضحيَّتَها تكفي، لو تم توظيفها في استثمارات منتجة في المنطقة العربية، لأَنْ تنعش كلَّ اقتصاداتها المتأخرة, وأن تقودها نحو ازدهارٍ يضاهي القارة الأوروبية في مستوى معيشة أبنائها.
ففي مقابلة مع المحلل المالي العالمي (مصطفى بلخياط)، نشرت بتاريخ 14 من الشهر الفائت، على موقع (كابيتال) الفرنسي, أشار إلى أن أسباب الأزمة لم تكن بريئة, كما لم تكن وليدة الرهن العقاري فقط. واصفاً ماحصل بالجريمة ضد الإنسانية, مناشداً العالم بالقول: عندما تقع جريمة ما, يجب البحث في محيطها عن المستفيد الأكبر من حصولها. لقد حلَّت واشنطن خلال أقل من أسبوع معضلةَ الدّائنين الأمريكيين، من خلال إيهام العالم بأن كُبْرَيات مؤسسات الاستثمار الأمريكية "فريدي ماك" و "فاني ماي" على حافة الإفلاس, في لعبة كبرى قام بها (اليانكي) المالي الأمريكي بسحب البساط من تحت أقدام التنين الصيني، الذي يملك إيداعات وسندات بقيمة 400 مليار دولار, ومثلها لكل من الأوروبيين واليابانيين والروس والعرب. وبالمحصلة فإن آلاف المليارات من الدولارات, هي وفوائدها الهائلة, المستحقة على الحكومة الأمريكية, قد تبخرت بين ليلة وضحاها, وليس بوسع أصحابها المطالبة بها, وفقاً لأحكام المادة 11 من القانون المالي الأمريكي, الذي يعفي المؤسسات المفلسة من أيّة ملاحقات قضائية.
من هنا تتضح الأسباب التي تفسر كيف تمّت التضحية سريعاً ببنك "ليمان براذرز".
ويضيف الخبير المالي العربي المقيم في باريس, هناك ما هو أخطر من كل ذلك، لقد رفعت الولايات المتحدة اعتباراً من شهر نيسان الماضي, أسعار برميل النفط إلى مستويات غير مسبوقة, كي تزيد من أعباء الدول المناوئة لسياساتها, وترفع في الوقت نفسه من أرصدة الدول العربية، كي تُقْبِلَ على المزيد من الاستثمار لديها. وعندما بلغت الأمور ذروتها المخطط لها, تخلّت فجأة عن النفط, وكذلك عن ورقتها الخضراء. وغدا كل مايملكه الآخرون مجرَّدَ أرقام, وأوراق, ومستندات, لاقيمةَ لها.
وإمعاناً في الوقاحة, يطوفُ ممثلوهم الرسميّون على عواصم الثروة العربية, يستَجْدُون سخاءها، لتضخ ما تبقى لديها من أموال في أسواقهم، التي نهبوها هم فيما بينهم.
لكن "المؤمن لايلدغ من جحرٍ مرتين". وقد بدأ الهمس يعلو في هذه العواصم، ويتحول إلى تصريحات شبه علنية ورسمية, مفادها أن ما حصل كان مؤامرة أمريكية الصنع لإفلاس العرب أولاً, وزعزعة الاستقرار والنمو الاقتصادي في أوروبا ثانياً, وإفقار العالم ثالثاً, والحد من نموّ كلّ الاقتصادات الصاعدة, كالصين وروسيا والبرازيل والهند وماليزيا, وكبح جماح اليابان، التي بدأت تهدد الاقتصاد الأمريكي بشكلٍ جدّي، منذ بداية الألفية الحالية.